تحليل النص النظري ضمن المنهج الاجتماعي
تحليل النص النظري في المنهج الاجتماعي
علم اجتماع الأدب
يعد الأدب من أرقى الفنون التي أنتجها العقل البشري في مسار تطوره، لذلك طالما حظي بأهمية بالغة نظير القيم والأفكار والتوجهات التي يجليها، فقدمت له مقاربات ودراسات تحليلية مختلفة اعتمادا على مناهج عديدة كالأسلوبية والبلاغية، والمنهج التاريخي والنفسي والاجتماعي والبنيوي والبنيوي التكويني والشكلاني....ولعل المنهج الاجتماعي من أهم المناهج النقدية الحديثة في مقاربة النص الأدبي، حيث ظهر هذا المنهج في أوروبا بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتعود جذوره الأولى إلى مدام دي ستايل عندما تحدثت عن تأثير الدين والعادات في الأدب، وذلك في كتابها " الأدب في علاقته بالأنظمة الاجتماعية. غير أن هناك من يرى أن بداية المنهجالاجتماعي الفعلية كانت مع هيجل في حديثه عن الانتقال من الملحة إلى الرواية الذي ربطه بصعود الطبقة البرجوازية، في حين يرى البعض الأخر أن جذور المنهج الاجتماعي تعود إلى نشأة الفلسفة الوضعية لأغيست كونت.
ومهما تكن الجذور التي انطلق منها المنهج الاجتماعي؛ فإن مختلف الباحثين يلتقون عند اعتبار هذا المنهج منهجا سياقيا يهتم بدراسة الأدب كظاهرة اجتماعية وجزء لا يتجزأ من المجتمع، كما يعتبرون الأديب ابن بيئته فهو يكتب للمجتمع، لا لنفسه، ويفكر في المجتمع قبل أن يفكر في الكتابة الأدبية.
ويعتمد المنهج الاجتماعي على جملة من النظريات التي شكلت منطلقه الأساس، أهمها المنهج التاريخي والفلسفة الوضعية ثم الفلسفة المادية. ومن الخصائص المميزة للمنهج الاجنماعي نذكر:
اعتبار الأدب مرآة تعكس المجتمع بمختلف أبعاده السياسيةوالفكرية...
اعتبار الأديب ابن بيئته يؤثر فيها وتؤثر فيه،
اعتبار الأدب وليد لحظة اجتماعية.
ومن أبرز رواد المنهج الاجتماعي في الغرب، نذكر: كارل ماركس، ماكس فيفر، مدام دي ستايل، أوغيست كونت،جون ستيويلت ميل، إميل دوركهايم، بيلخانوف، جورج لوكاش... أما عند العرب، فنجد كل من: طه حسين، محمد منذور، إدريس الناقوري، نجيب العوفي، محمد بنيس، صلاح فضل.... ثم حميد الحمداني، ويعد هذا الأخير من أهم رواد المنهج الاجتماعي في المغرب على مستوى الممارسة والتطبيق، خاصة فيما يتعلق بتطبيق المنهج الاجتماعي على الرواية، كما يوضح ذلك كتابه النقدي الموسوم ب " من أجل تحليل سوسيو بنائي للرواية_رواية المعلم علي أنموذجا". وسنقف في هذه الورقة عند تحليل نص مقتطف من هذا المؤلف بعنوان: " علم اجتماع الأدب". إذا ما القضية التي يعالجها النص؟ وما هي مميزات وخصائص المنهج الاجتماعي حسب هذا النص؟ ثمما هي الأليات التي وظفها الناقد في شرح قضية النص؟
إن النص قيد التحليل عبارة عن مقالة نقدية، وهذا ما يتضح من خلال مصدر النص وعنوانه، هذا؛ وقد جاء عنوان هذه المقالة جملة اسمية، وهو عنوان يحيل على فرع من فروع علم الاجتماع العام، يتعلق الأمر بذاك الفرع الذي يهتم بدراسة الأدب كظاهرة اجتماعية، فمنبعه المجتمع ودلالاته لا تخرج عما يروج في المجتمع. واستنادا الى دلالة العنوان وبداية النص ونهايته نفترض أن الناقد سيتحدث عن خصائص المنهج الاجتماعي وأهميته في مقاربة النصوص الأدبية.
يتبين من خلال قراءتنا للنص أن موضوعه يدور حول علم اجتماع الأدب، ويتناول قضية نقدية تتعلق بتحديد العلاقة الرابطة بين الأدب و المنهج الاجتماعي. وقد تناول حميد الحمداني هذه القضية منطلقا من تعريف الأدب كظاهرة فكرية واجتماعية، ثم بين أهمية المدلول الاجتماعي عند الباحث السوسيولوجي، حيث إن هذا الأخير يسعى دوما لاستخراج المدلول الاجتماعي في النصوص الأدبية، بعد ذلك أبان الناقد عن أهمية التركيز على الرواية عند تطبيق المنهج الاجتماعي، وذلك لموسوعية الرواية وشموليتها لباقي الأجناس الأدبية الأخرى، ثم أكد الناقد كذلك على الدور الذي لعبه بلخانوف لتطوير سوسيولوجا الأدبأو المنهج الاجتماعي، ليختتم الناقد نصه بالتأكيد على أهمية المظمون الاجتماعي، وأن الجوانب الشكلية للنص الأدبي لا تعدو أن تكون مكملة فقط للتحليل الاجتماعي.
وتربط بين عناصر هذه القضية علاقة ترابط وتكامل وانسجام، حيث إن هده العناصر تتكامل فيما بينها لتكشف للمتلقي عن أهمية التحليل السوسيولوجي للأدب ثم الجوانب التي يركز عليها الناقد السوسيولوجي في النص الأدبي. وقد استعان الناقد في شرح قضيته بمجموعة من المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بالمنهج الاجتماعي، ومن أمثلتها: علم اجتماع الأدب، الدال والمدلول، المعادل السوسيولوجي، الوسط الاجتماعي، المنهج الاجتماعي...
وقد جاءت أفكار النص مترابطة ومتسلسلة بشكل منطقي، ويعود الفضل في ذلك لاعتماد الناقدعلى الطريقة الاستنباطية، وقد انتقل فيها من مقدمة عامة عرف فيها الأدب من المنظور الاجتماعي، ثم انتقل في العرض لبين أهمية المدلول الاجتماعي عند الباحث السوسيولوجي، ثم أهمية الاعتماد على الرواية في النقد الاجتماعي، وأيضا دور بيلخانوف في تطوير سوسيولوجيا الأدب، ليختتم نصه بالحديث عن الدور التكميلي الذي يلعبه الجانب الشكلي في النقد الاجتماعي. كل ذلك بلغة تقريرية مباشرة، سهلة وبسيطة، يغلب عليها الأسلوب الخبري بجمله الطويلة والقصيرة. إضافة إلى ذلك ساهمت مجموعة من الأساليب الحجاجية الموظفة في النص في اضفاء نفس حجاجي على النص، ومن أبرز هذه الأساليب: أسلوب التعريف ( تعريف الأدب كظاهرة اجتماعية وفكرية)، أسلوب الشرح والتفسير ( شرح وتفسير أهمية الاعتماد على الرواية في النقد الاجتماعي)، ثم أسلوب المثال ( إعطاء مثال ببلخنوف واسهامه في ارساء سوسيولوجيا الأدب وعزلها عن علم الاجتماع العام)، إلى جانب أساليب أخرى منها التأكيد والإضراب والاستدراك...
إلى جانب ذلك ساهمت أليات الاتساق الموظفة في النص في تماسك النص تركيبيا ودلاليا ومعجميا. وم أليات الاتساق الدلالي نكر الوصل ( حروف العطف، الاستدراك، الاضراب، التعليل، الأسماء الموصولة)، ثم الإحالة، ومن أمثلتها الإحالة المقالية البعدية ( هذا المدلول)، والاحالة المقالية القبلية ( هو نفسه)، وذلك بتوظف الضمائر وأسماء الإشارة...
Commentaires
Enregistrer un commentaire