تحليل نص محاكمة للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني
النص التطبيقي الثاني
محاكمة
تعد المسرحية جنسا أدبيا نثريا حديثا في الثقافة العربية، ظهر أواخر القرن التاسع عشر بفضل عوامل عدة منها: الإحتكاك الثقافي مع الغرب، والبعثات الطلابية إلى أوروبا ثم ازدهار الترجمة والتأليف.. وتعمل المسرحية على تجسيد أحداث ووقائع ترتبط بواقع الانسان وما يحملها من تناقضات. وتتميز المسرحية عن باقي الفنون النترية الأخرى بقابليتها للعرض والتمثيل، ثم غلبة تقنية الحوار واعتماد الجمل الاستجوابة والارشادات ثم كثرة علامات الترقيم. كما أن للمسرحية عناصر تقوم عليها، أهمها الموضوع والأحداث والشخصيات والزمان والمكان ثم الأسلوب.
ومن أبراز رواد فن المسرح العربي نذكر: عبد الكريم برشيد، الطيب الصديقي، توفيق الحكيم، ثريا جبران.. ولا ننسى
صاحب النص قيد الدراسة المؤلف والروائي الفلسطيني غسان كنفاني، وهو من أبرز مؤلفي المسرح في فلسطين، تميزت أعماله المسرحية بالنزعة التأملية التي تجعل أغلب أعمالها تقترب من الفلسفة. وسنقف عند مشهد مسرحي له مقتطف من مسرحية"القبعة والنبي". إذا ما موضوع هذا المشهد المسرحي" وما هي الخصائص والعناصر المسرحية التي يوظفها؟
من خلال تأملنا لبنية النص الخارجية، يتبين أنا أمام نص حواري يدور بين شخصيتين، ويتصدره عنوان " محاكمة" وهو عبارة عن جملة اسمية مكونة من خبر لمبتدأ محدوف تقديره هذه أو هي، أما دلاليا فمحاكمة جاءت من حاكم يحاكم محاكمة، نقول حاكم المتهم؛ أي حقق معه ليتأكد من برأته أو ذنبه، ونقول حاكم إلى فلان؛ أي خاصمه إليه ليكون بينهما قاضيا. ومحاكمة هنا يراد بها اتهام شخص بذنب فقدم للمحاكمة لكي يعرف مذا إقدامه على الفعل المتهم به. واستنادا لدلالة العنوان والإرشاد الذي يتصدر المشهد الحواري، نفترض أن غسان كنفاني سيقربنا من أجواء محاكمة شخص بتهمة ما في قاعة مظلمة.
بعد قراءتنا للنص يتبين أن موضوعها يدور حول محاكمة " المتهم" في مكان مظلم
بعدما تسبب "الشيء" في وقوعه في هذه الورطة، ويبدو أن التهمة الموجهة للمتهم يمكن أن تزول إذا ظلت السيدة صامتة عن الكلام مما يكشف لنا عن التناقض الذي تعيشه شخصية المتهم، تناقض على مستوى القيم، فهي شخصية تحب الصدق غير أنها لا ترغب في ظهور الحقيقة. في المقابل شخصية الشيء تأكد أن المتهم ليس بالضرورة أن يكون شيئا طيبا بل يجب أن يكون رجلا طيبيا رغم أن
الشيء لا يهتم أبدا بما سيحصل للمتهم في النهاية.
ويدور هذا المشهد حول حدث مركزي هو محاولة المتهم الخروج من الورطة التي أوقعه فيه الشيء، ولو على حساب القيم النبيلة التي يؤمن بها المتهم، مما يظهر تناقض القيم عند هذا الأخير. وقد وظف الكاتب لنقل هذا الحدث شخصيين رئيستين ،يمكن تحديد مميزاتهما كما يلي:
المتهم: شخصية رئيسة، متهم، متناقض، لا يحب الشجار، مضحك، ...
الشيء: لا رأس له، سبب ورطة المتهم، يشعر بالرعب، لا يهتم بمصير المتهم
وتربط بين هذه الشخصيات علاقة صداقةوعلاقة تواص، رغمأن الشيء هو المتسبب في ما وصل إليه المتهم.
وقد تواصلت هاتان الشخصيتان وفق حوار تفاعلي، حوار خارجي دار بشكل مباشر بينهما، وقد بدأ هادءا قبل أن ينمو ويتطور ليتوج بالصراع الدرامي، ومن مميزات الحوار في هذا النص المسرحي: كثرة الجملة الاستجوابية خاصة الإستفهام، إضافة إلى حظور الارشادات ولو بشكل طفيف مع كثرة علامات الترقيم. وقد ساهم الحوار في الكشف عن خبايا الشخصيات خاصة التناقض الحاصل في شخصة المتهم.
أما بخصوص الصراع الدرامي فكان بين المتهم والشيء، حيث تبين أن المتهم يحب الحقيقة غير أنه لا يريد أن تبرز، كما أن الشيء يريد أن يبين أخطاء المتهم، لكن المتهم يفضل أن تبقى أخطاؤه موارية عن الجميع.
وقد اعتمد غسانكنفاني في بناء هذا المشهد المسرحي لغة سهلة وبسيطة، لغة بنفس حجاجي لا يمكن إدراك دلالاتها بأسلوب مباشر بل تحتاج منا إلى التأمل فيها من أجل كشف دلالاتها. وعموما فإن هذه اللغة يغلب عليها الأسلوب الخبري، ووظيفته الكشف عن حقيقة المتهم ونوايا الشيء الذي لا يهتم لما ستصل إليه قضية المتهم، كما وظف المؤلف أيضا الانشائي، وهو أمر طبيعي ما دمنا أما نص حواري، حين إن الجمل الإنشائية تساهم بشكل كبير في إطالة الحوار. ومن الجمل الانشائية الموظفة في النص نجد الاستفهام ( ما الذي تتوقعه أيها التعيس؟)، الأمر ( احذر)....
وقد راهن الكاتب على أن الإنسان قد يلجأ أحيانا للتخلي عن قيمه النبيلة من أجل الخروج من ورطة لم يكن سبب فيها، مع العلم أن هذا الأمر قد يفيد في اللحظة لكنه غير أبدي، فالتخلي عن القيم النبيلة عواقبه وخيمة.
Commentaires
Enregistrer un commentaire